الاثنين، 15 فبراير 2016

موظف منتهي الصلاحية

موظف منتهي الصلاحية

د. فيصل خالد الغريب 
المستشار وخبير الاتصال البشري
@dr_faisalkhaled 

العالم اليوم يتسارع معرفياً بشكل لا سابق له ، وتطور التكنولوجيا ساعد في تعزيز الاتصالات وسرع نقل المعلومات ، وسهل الحصول عليها ، ومن الملاحظ في بعض البلدان التي لا تعتمد المعرفة منهج حياة فعلي ، ستجد بأن الموظف يفسر الوائح والتنظيمات والتشريعات ليس بناءاً على اللغة العربية التي لا يجيد التحدث بها - علماً بأنه خريج جامعي - وإنما بناءاً على توهمات معرفية ، فتعميم منع معين في أي سياق ، يعني بالنسبة للموظف التقليدي أن يتخذ احتياطاته الأمنية بتوسيع دائرة المنع ليكون ضمن حدود الأمان ، بعيداً عن أي اجتهاد عقلي يقتضي بناء حل لمشكلة ما أو معالجة موقف ، فبدلاً من مواجهة المشكلة وحلها وفقاً للتراكيب المقارنة والأمثلة خلال فترة خبرته العملية ، فإنه يكتفي بقوله : ( يوجد تعميم وزاري يمنع كذا وكذا ) في واقع الحال .. أنصحك بالاستفسار عن نصوص اللوائح والتعميمات الصادرة من الوزارات ، لأنك وعلى الأرجح ستكتشف بأن الموظف يشتكي من عمى ألوان ، أو عدم قدرة عملية على تحديد الاتجاهات ، وسيمضي بك نحو الهاوية وهو يضحك .

ثق تماماً بأن التأهيل الوظيفي قد حصل عليه عبر الخبرة وليس عبر التعلم أو تدريب شمولي - التدريب الشمولي يشمل العلم والمهارة والتفكير و السلوك - كل ما سيحصل عليه موظف حكومي تقليدي ، هو تدريب تقني محدود ولهذا تأثير على الإدراك الواقعي للموظف ، أضف إليه أمراً آخر .. عندما ستطلب نسخة من اللائحة أو النظام سيرد عليك وبصورة سريعة وحاسمة وبثقة لن تعرف مصدرها أبداً : ( ممنوع ) .. عندها قم بدخول موقع الوزارة عبر هاتفك الذكي واطلع على النظام الذي أخبرك عنه ، وقد تتفاجئ ( لن تجده ) .. هذا سلوك نمطي قياسي ، وهذا الشاب اللطيف ضعيف الخبرة ، سيجد طريقه عبر السنوات وفوق سلم الترقيات .. نحو رئيس قسم أو دائرة  ، لن تتم معاملاتك الرسمية دون موافقه وتوقيعه ، وسيكون هو صاحب القرار النهائي في تفسير اللوائح والأنظمة القانونية ، وسيرحب بدعوته للمحاضرة في هذا الشأن بصفته خبيراً في مجال عمله . 

هناك العديد من العاملين في القطاع العام ، ممن هم منتهي الصلاحية في سلك تقديم الخدمات ، ولا أشك للحظة واحدة في أن هذا النموذج من الموظفين قد وصل إلى النرجسية ، فالنجاح سهل لعدة وجوه منها :.
١- يترقى تلقائياً وفق السلم الوظيفي ، حتى وإن تأخر ، وربما كانت علاقاته كفيلة بعدم تأخره ، بل وقفزه عدة مراحل بشكل مفاجئ .
٢- يمكنه الحصول على انتدابات وهو في منزله ، وفقاً للبيانات الرسمية المعتمدة .
٣- يمكنه إصدار الأوامر الشفهية على المراجعين دون أن يطاله القانون .
٤- يمكنه أن يقضي ساعة ونصف لأداء الصلاة ، وساعة أخرى لدخول دورة المياه ، و ساعتين لإعادة أبنائه من مدارسهم ، وبقية اليوم الوظيفي يمنكه أن يقضيه في اجتماع مغلق دون محضر أو توصيات ، تمنع فيها من مقابلته .
٥- يمكنه عند اعتراضك عليه أن يدون محضر اعتداء ومضايقة وسيشهد عليه كافة الزملاء وموظفي القسم .
٦- يمكنه تعطيل أي معاملة ، للدراسة والمراجعة و التدقيق ، وفد يقضي فيها الشهور والسنوات لذرائع عدة .
٧- يمكنه تدوين ملاحظة ( غير متوافق مع الأنظمة المعمول بها ) ولن يتتبع أحد هذه القوانين . 
٨- يمكنه التوصية بعدم التعاون شفهياً ، ولن تجد من يخدمك لأسباب مبهمة .
٩- يمكنه تجاوز التحقيقات الإدارية ، نظراً لقيامة بكافة المتطلبات الورقية وفق النظام .. بينما يعيقك فعلياً دون دليل ورقي واحد . 
١٠- يمكنه التباهي مجتمعياً بأنه استطاع إيقاف عدد من المشاريع أو الإجراءات أو المعاملات  وعرقلها فعلياً دون وجه حق .. كما و أنه أوقع عقوبات وغرامات مع اكتمال الشروط والمواصفات ! ولم يطرف له جفن .

هذا الموظف في القطاع العام ليس نموذجاً نادراً ، وله بعض أشباه في القطاع الخاص ولكن يسهل كشفهم ، كما أن الجميع ليسوا بهذه الصورة ، ولكنهم في الغالب يحققون نتائج متقاربة بغض النظر عن النية فقد لا يكون شريراً ولكنه قد يكون أحمقاً كفاية ليقودك لنفس النتيجة دون تقصد لشخصك ، ومع هذا يمكنه أن يتحكم في مصير معاملتك  ومشاريع حياتك ، بينما ستجد في كل مائة موظف ( واحد ) يكون مميزاً بتيسيره وحسن معرفته بالأنظمة والقوانين ، ومدركاً للغاية من موقعه الخدمي تجاهك ، وبأنه وجد لتذليل الصعاب لا لصناعتها وتضخيمها .. هذا الصنف من الموظفين حقيقي ويمكنه إيجاده مع شيء الصعوبة و العناء  .

ومع ذلك هناك طرق سهلة للتغلب على الشرير وأخطاء الأحمق ، ليس هذا موضعها ، إلا أن العديد ممن يمتلكون ذلك النظام من التفكير والأداء السلبي  ، هم موظفون منتهوا الصلاحية وينبغي استبدالهم إذ يسهل اكتشافهم ، وخاصة أولئلك الذين تمكنوا من بناء علاقات تحت أرضية من خلال مواقعهم الوظيفية ، وهم من ذوي الصفات التالية : 
١- لا يمكنك مقابلته إلا بشق الأتفس . 
٢- يمتلك هالة من السكرتاريا الشخصيين ، ومع كثرتهم فهم يتمتعون بصورة الأباطرة ، وهذا انعكاس لرئيسهم الموظف الكبير خلف الباب .
٣- يحتاج إلى وقت طويل لتوقيع المعاملات واعتمادها بعذر دراستها .. بينما ياتبع شاشة البورصة ، أو يعالج مشاكلة الزوجية عبر الهاتف .
٤- يقابلك لأجزاء من الدقيقة يتخللها انشغاله بأوراق بين يديه و إجراء مكالمات وليس استقبلها ، مع تجاهل النظر إليك .
٥- يتميز بتصلب ظهره وصوته ، أو رخاوة شديدة في جلوسه و صوته .
٦- ينظر إلى ساعته عند دخولك وأثناء حديثك .
٧- يتنصل من صلاحياته كاملة ، أو يستخدمها بشكل مفرط ، فيقرر دون نظر أو تأمل .
٨- غير صادق في أي موعد يعدك إياه ، وقد يحجبك عن مقابلته ثانياً وإلى الأبد .
٩- يقضي وقتاً طويلاً في مكتبه المغلق دائماً ، ومع ذلك لا ينعكس هذا على إنتاجية إدارته .
١٠- يستقبل في مكتبه علية القوم دون العامة ، في إشارة للخدمات المقدمة وطبيعتها .. وقد يسمح للعامة بالدخول بشكل جماعي لوضعهم  في موقف حرج أمام البقية ليسهل عليه استعجالهم ، والعودة لمشاهدة برنامجه المفضل أو متابعة سوق الأسهم ، أو عقد الصفقات التجارية هاتفياً .

هذه كانت السمات العامة التصنيفية لكبار الموظفين منتهي الصلاحية ، وأما صغارهم فلهم في كبارهم أسوة إلا أنهم يمتازون بما يلي :
١- صعوبة في الفهم والتصور .
٢- المنع و الممانعة وتضخيم المواقف والحالات والمهام .
٣- التترس بالنظام دون توضيح لماهيته .
٤- لا يتورع عن الوقاحة اللفظية أو الاعتداء المباشر .

وكل من هذا وذاك ، لا ينبغي أن يولى مسؤلية في القطاع العام ، لكونه منتهي الصلاحية ، بغض النظر عن الفترة التي قضاها في موقعه الوظيفي الخدمي . 

وحتى لا أبخس المتميزين حقهم ، فإليك باختصار وإيجاز بعضاً من سماتهم وعلاماتهم الفارقة في نموذج اتصالهم بك أو بما يخصك عند طلب الخدمة الوظيفية المنوطة بهم :
١- الترحيب و البشاشة .
٢- التطمين والتيسير .
٣- سرعة البديهة وحضور العقل .
٤- القدرة على تطويع الأنظمة لتحقيق المصلحة العامة .
٥- إيجاد الحلول أو المشاركة فيها .
٦- المبادرة الذاتية .
٧- تقصير مراحل الإنجاز قدر الإمكان .
٨- الوضوح والشفافية .
٩- السعي لتذليل العقبات .
١٠- التطوع لفعل الخير في إطار الممكن دون طلب للشكر أو الثناء .
١١- يمكنه مغارة مكتبه لتقديم خدمة أسرع لك .
١٢- يطلب لك المشورة ويسدي لك النصح .

وبهذا يمكنك التفريق ما بين الموظف الصالح للاستخدام في موقعه الوظيفي ، وبين ذلك المنتهي الصلاحية والذي يمكنك وبالتظافر المجتمعي توثيق عدم صلاحيته وإزاحته من منصبه بكل سهولة ، لو وعيت لحقوقك ولأنظمة الحكومة ولوائحها المعلنة ، التي تساعدك على تقييم خدمة موظفي القطاع العام ، وفقاً لمعاييرها ومؤشراتها التي يسهل عليك فعلياً تطبيقها على أي موظف كان ، وخاصة بأن للسلطة الرابعة دور كبير مساند في عصر تقنية الاتصالات والمعلومات الحديث .. وسأزودك في موضع آخر بتقنيات مكافحة الفساد و الفاسدين ومنتهي الصلاحية بعدد من الأساليب الفنية والتقنيات الملائمة .