أبعاد الإساءة والنصرة
نظرة موضوعية
د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبيرالاتصال البشري والاستراتيجي
( لقد كان الأمر مسلياً وفعّالاً .. كل ما عليك أن تقوم به هو المساس بمشاعر المسلمين ، وستحصل على الشهرة ، سيتولى المسلمون الأمر بفاعلية ) .. كان يقولها وهو يراقب مشاهدات فلمه ترتفع ، لقد كان معظمهم يتناقل رابط الفلم للإشارة إلى أنه فلم مسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. كان هذا ضمن الخطة تماماً ..
في الوقع لم يكن من الصعب عليَّ كما هو الأمر على كل مراقب يعرف التاريخ القريب للإساءات ، أن يعرف بأن الأمر منهجي ومدروس .. ليس الأمر صعباً ، فالشعوب الإسلامية عاطفية .. لا تمتلك حالياً استراتيجية موحدة للدفاع ولكنها يمكن أن تروج لأي إساءة كانت كما ينبغي لها أن تنتشر بين الناس .. إنها الفوضى الخلاقة التي تفي بالغرض لجعل الحبة قبة .
بالنسبة لي لم ولن أقف على فلم كهذا ، ولن أشارك في الترويج له .. بيد أن الأمر متكرر وعموم الناس يقومون بما لا ينبغي عليهم القيام به في كل مرة ، ولا شك أن مواجهة التيار ستكون لها عواقبها وخيمة ، ما لم تكن مجدفاً محترفاً .
وقفت على قدميَّ وأخذت جهازي اللوحي ودلفت إلى حسابي على على تويتر @dr_faisalkhaled وبدأت أكتب عن ( النصرة ) وأنا أشاهد القنو ات الإخبارية وأراقب الأحداث ، أعلم بأن البعض يعتمد المؤامرة كمركب له فوق الموجة وآخر سيعتبره محاولة فردية من أحد هواة ( الركمجة ) على الأمواج الإسلامية الهادرة .. فالغوغاء كانوا سعداء بالفوضى وكانوا يمارسون فعلياً التخريب في داخل أرضهم في حين أن المسيء يحتسي القهوة في منزله محتمياً بالقانون الأمريكي الضامن لحرية البصق في وجه المسلمين حيثما كانوا .
ما المطلوب ؟
لا يمكن السكوت على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وستبقى الأرواح قليلة في فدائه ، وممارسة الدفاع بكافة الوسائل العملية والمؤثرة ضمن إطار الكتاب والسنة بالبيان والسنان .
ما المشكلة ؟
تكمن المشكلة في أن الشارع هو من يقود النصرة دون موجه أو مرشد ، فتنتهي التجمعات البشرية المتفاعلة الصاخبة بتدمير ممتلكات المسلمين أنفسهم وارتكاب المنكرات على أرض الإسلام ، ورفع راية الهمجية ، دون نتائج تذكر على المستوى الاستراتيجي ، لمثل هذه الأعمال .
كيف تكون النصرة إذاً ؟
تكون بوضع استراتيجية ومنهجية للردع المستقبلي ، يقوم بهذا الخبراء المختصون ، وتتحمل الحكومات المسؤولية إزاء تجرؤ الصفقاء على مقدسات الأمة ودينها .. لغياب الرادع .. وعليه :
١- سن قوانين تنظم التحرك النظامي والدولي من قبل الحكومات الإسلامية تجاه الجهة المتبنية للإساءة والحامية .
٢- تشكيل لجان وهيئات شعبية لتقييم التحرك الدولي ومراجعة الخطوات القانوية .
٣- تنظيم المجاميع وعدم ترك الفوضى أراضي المسلمين .. وتحديد أهداف الضغط السياسي على الجهات المسيئة .
٣- إستخدام موجودات ومكونات الأمة الفاعلة في تنفيذ مشاريع دعوة وتعريف بالإسلام ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام .
٤- نشر البرامج العملية عبر وسائل الإعلام الجديد .
٥- توحيد البث الفضائي الرسمي والتجاري لتقديم رسالة عالمية لسكان كوكب الأرض .
٦- وفي وضع متقدم بعض الشيء يتمثل في عرض القوة العسكرية لدول العالم الإسلامي كعامل ردع ختامي .
لا حاجة للتذكير بأمر يتمحور حول استرايجيات عامة ، تاركاً التفصيل لواقع كل بلد شعباً وقيادة ، فليست البلاد الإسلامية تلى سوية واحدة .
ماذا عن المعارك الداخلية للمسلمين تجاه الوسائل ؟
التنوع أمر طبيعي ، فمن أمكنه النيل من المسيء بالشكل الملائم فله ذلك بعد تحقيق ضوابط الشرع وتوجيه العلماء ، كما أن للآخر يقوم بالتعريف بالدين ، وثالث له أن ينظر ويحاضر في سبل وطرق النصرة .. وكل على خير ، وما يحدث من تراشق داخلي ، مرده للجهل ومخالفة الحكمة ، فالاجتهاد لا يُنقض باجتهاد ، وتبقى المهارات المتعددة والقطرات المتنوعة خادمة لأهداف النصرة في أي مستوى كانت .
كيف لنا أن نتفاعل ؟
ليس ثمة نموذج موحد للتفاعل مع النصرة ، فالتنوع نافع وليس بضار ، وهذا معتمد على أنماط الشخصية ، ونظم العقل الإداركية ، وطبائع السلوك .. لا بأس بالتنوع حتى في السياقات ، وبقى المنظم لكل ذلك شرع الله تعالى ومقاصد شرعه ، وما عداه فهو تفاعل بشري طبيعي ، كالتأثر والتألم و الحماسة والإقدام والإنفعال .. كلها تفاعلات بشرية يتطلبها الموقف .
ما الذي لا ينبغي ؟
- لا ينبغي الاعتداء على الآمنين والمسالمين من البشر والكائنات الحية .
- لا ينبغي تدمير الممتلكات الخاصة والعامة .
- لا ينبغي استغلال الفوضى لإثارة الفتن وارتكاب المحرمات باسم غفلة الأجهزة الأمنية وعموم الفوضى .
- لا ينبغي إيصال رسالة سلبية عن سلوك الآفراد والجموع الإسلامية تتخالف مع ما علمناه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام .
- لا ينبغي استغلال الحدث لتوجيه السهام لأشخاص وذوات إسلامية ، بغرض النكاية بهم والنيل منهم على ملأ .
كيف يمكن التحكم في الجموع ؟
الجموع ليسوا عصيين على التوجيه ، فتوجيه الجموع أسهل من توجيه الأفراد المنفردين برأيهم ، وهذا لكون التأطير العام له تأثير على السلوك الفردي ، و يعتمد هذا على قدرة القيادات على التعبير والتأثير المناسب .. على الجماهير وتلبية الحاجة من هذا التفاعل والنصرة .. إلا أن الكذب على الجماهير ستكون له عوقب وخيمة ، لأنه سيقود لصناعة ردود فعل عكسية غير منتظمة وغير مميزة وسيصعب السيطرة عليها .
ماذا لو لم تتفاعل الحكومات مع الإساءة ؟
يقول المجتمع الإسلامي كلمته .. فالأمر يستوجب رد فعل أياً كان .
ما المخاطر من الفوضى ؟
تخلق الفوضى قنوات اتصال داخلية مباشرة لأعداء الأمة لتحقيق تأثير سلبي مباشر على استقرار الأمة من الداخل مما يساعد تفكيك المجتمع المسلم وإضعافه ، وتسهيل توجيه جموعة نحو غايات تفصيلية طقيقة خاطئة .. تصب في صالح العدو نفسه .
ماذا لوكانت مؤامرة فعلياً ؟
الأعداء ليسوا بالقدرة الكافية للعبث بشعوب الأمة جموعاً وأفراداً ، وإنما تشكل لهم الغوغائية فرصة لتحقيق بعض المصالح في إطار خططهم الاستراتيجية للمنطقة ، مستعينين باستراتيجيات صناعة ردود الأفعال ، لا يخلوا الأمر من التعقيد وهناك تفصيل دقيق لمل حالة وظرف ، ويندرج هذا ضمن بناء البعد الدقيق لخدمة العمومية الشاملة كما تفسرها نظرية الأبعاد الإدراكية الذهنية التي وضعتها كميزان لسلوك الأحداث وتفاعلاتها .
ما الخطوة التالية ؟
- وقف الفوضى .
- توجيه الجموع .
- صياغات المبادرات الذكية في هذا الإطار .
- تحريم وتجريم هذا السلوك دولياً ضمن تحركات قانونية أممية .
- العمل الفردي على تقوية الإيمان الذاتي والتبليغ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو بآية .
- توجيه البوصلة نحو خارج العالم الإسلامي .
ليس الأمر فلسفياً ، وإنما خطوات بسيطة وواضحة .. يمكنك القيام بها وابتكار ما يناسبك منها ، فربما قمت بإصدار فلم سنمائي محترف ، فهذا سيكون حسناً إلا أن أي جهد سيصب في النصرة بوعي ومسؤولية ، سيكون له أثره .. كل ما قمت به هنا هو محاورتك لبعض الوقت ، كنت حريصاً على أجيب على أسئلتك بشكل مباشر ، فغايتنا واحدة .
لم يكن ينبغي علينا أن نشهر المسيء وندعم رغبته في التشفي ، بعدما أعلن نيته وأظهر سوأته .. لقد حصل على الدعم .. في حين كان علينا إخماد ناره في مهدها وهذا ما لم يحدث .. النيل من هذا يكون بالتخطيط والمثابرة والاستمرار .. وحينها سينقلب السحر على الساحر عندما يسلم الملايين بعد إثارته لأمة ذكية واعية عاقلة .. آليس كذلك ؟
أنت الآن تعرف أبعاد نصرتك التي يبنغي لها أن تكون ضمن سياقات أكثر تأثيراً وفاعلية .. فالجعجة ليست دليلاً قاطعاً على الطحن .. أعلم بأن للضوضاء فوائد ولكني لن أذكرها الآن .
سأكون في الجوار .. فلا تتردد في الاتصال بي عند الحاجة .