صناعة المشكلات
د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الاتصال البشري والاستراتيجي
تحدثت في موضوع سابق بعنوان ( كيف تحدث المشكلات ) ووصفت الاستراتيجية الذهنية السلوكية لواقع المشكلة في سياق سيناريو مفصل للأحداث الذهنية .. كانت نظرة من داخل العقل .. من الجيد الرجوع لذلك الموضوع فهذا سيكون مفيداً جداً لك .
المشكلات تتنوع وتتشكل بصور مختلفة جداً لا يمكن حصرها ، إلا أن جميع المشكلات تعني خللاً في الاتصال ، ولا يمكن بخال من الأحوال أن نحصر المشكلة في سياق غير واعٍ داخل الحدث مما يعني سلوكاً غير واعٍ فقط ، كما لا يحوز إغفال الوعي التام والمدرك لما يجري من أي من أطراف المشكلة ، وأنا أتحدث هنا عن العلاقة المشكلة في الجنس البشري العاقل .
صور للمشكلات
١- مشكلة ميكانيكية : تعتمد على الحركة والأحجام الفيزيائية .
٢- مشكلة كهربايئة : تعتمد على القوة و انسجام الدوائر .
٤- مشكلة إنسانية : تعتمد على المفاهيم والإتصال البشري .
٤- مشكلة إلكترونية : تعتمد على البرامج وأدوات الإتصال الإلكتروبشري .
مصادر المشكلات
١- غياب المعرفة .
٢- الجهل .
٣- النفس الخبيثة .
أسباب ودوافع المشكلات
١- تصادم المصالح .
٢- دافع السلطة .
٣- التكبر .
٤- الكسل .
هل تصنع المشكلات ؟
سيكون من المفاجئ لو قلت بأن للمشكلات دور إيجابي في حالات ليست بالقليلة ، ولذلك يتم تبنيها وصناعتها على نطاق واسع ، فهل يدهشك بأن حلول الماضي هي مشكلات الحاضر ، أم هل سيكون من الغريب لديك علم بأن حلول اليوم هي مشكلات المستقبل ، فنحن في عالمنا اليوم نصنع المشكلات في عالم أبنائنا وأحفادنا .. كل ما عليك فعله هو أن تتأمل قليلاً .. فالبشر يفكرون غالباً في محيط زمني محصور ، وإن كان هناك من يفكر للمستقبل بعمق وجدية ، إلا أنهم قلة قليلة .. وربما شاركوا الجميع رغماً عنهم في صناعة شيء من مشكلات الحياة فيما سنستقبله من زمن .
ولكني هنا أتحدث لك عن صناعة واعية لبعض المشكلات ، مما يعني أن الأمر مقصود لذاته ، فالبعض لأي من دوافع المشكلات السابقة ، يمكنه أن يصنع مشكلة ما تعيق تحرك الطرف المقابل أو تضع في طريقه العقبات ، وهذا يحدث عندما يكون الإيمان بالله غير حاضر في تفاصيل الحالة .. هذا يعني انفصالاً عن مراد الله تعالى في وجودنا هنا الآن .
ما المراد بصناعة المشكلات ؟
إنه تعدٍ خانق على الحقوق ، فالبعض يقوم بفعل أو يتجاهل آخر ، لتكون أنت في ورطة ، هذا سيجعله في موضع تحكم بك .. عندما يدرك المرء بأنه السبب فيما أنت فيه ، ويدرك تداعيات الأحدات التسلسلية المبنية على هذه المشكلة وتراكماتها أو تكراراتها وفق الحالة ، فهذا نوع من صناعة المشكلات ، وهو النوع الواعي .
تجاهل المشكلات يولد مشكلات أخرى هو الآخر .. وهذا دور فعال وقوي في صناعة المشكلات المتسلسلة ، ولا يمكن إغفاله ، وهو يصدر عن دافع الجهل آو عدم المعرفة أو التكاسل أو خبث النفس ، أو باشتراك ما بين جميع تلك الدوافع أو بعضها ، وهو إن كان رد فعل سلبي من ناحيتين من حيث عدم ظهور رد فعل هجومي ، إلا أنه يعطي صفة المتفرج .. وهذا بحد ذاته نوع من الهجوم الناعم .. إنه هجوم ساكن .. وهذا يعني تضاداً في الحالة وتناقضاً مع المنطق .. وهذا يُحدث مشكلات جديدة ، ويساعد على التراكم ، وسيكون للتراكم أثر مدمر .
فوائد المشكلات
يتعمد البعض صناعة أنواع مختلفة من المشكلات لكي ، يحقق عوائد مباشرة أو غير مباشرة له أو لمن طلب منه ذلك ، وعليك أن تعي بأن المشكلة مهما كان نوعها ، فسيكون لها دور بين شخصين أو شركتين أو دولتين أو قطبين عالميين .. الأمر لا يختلف عن مسارات الإلكترونات حول قلب الذرة أو دوران الكواكب حول الشمس .. فهناك مبادئ مشتركة .. تذكر هذا .
الحروب تعزز اقتصاديات الدولة المصنعة للأسلحة ، وردائة بنية الطرق تساهم في زيادة أرباح شركات الرصف وتشييد الطرق وجيوب المنتفعين ، وهناك الكثير من الناس ممن يتنفع بشقاء الآخرين وجهدهم .
حدوث المشكلات سنة سارية في علاقات البشر حتى في ذواتهم ، ولأجلها وجدت العقول واستخدمت الأدمغة ، فهي رياضة عقلية بالدرجة الأولى والحياة مكونة من مشكلات متشعبة ، ولهذا نستخدم عقولنا في حلها وفقاً لقواعد عامة وضعها خالقنا وقد خصص بعض الأحكام في حلها وشرع لحلولها أحكاماً محكمة .. ونتعبد الله تعالى بمواجهة الكثير منها بحسب النية ، ومعالجة المشكلات في الحياة مع استحضار نية اجتياز الحياة برضى الله لبلوغ الآخر يعد عبادة .. وهذا يعتمد على ذكاء من وقع المشكلة أو واجهها في حينها مستعيناً بالله وبما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأحجية الحياة ومشكلاتها لعبة عقلية سلوكية النجاح فيها يقود إلى الجنة ، وتعقيد الحياة وإشقاء الناس فيها بصناعة ووضع المشكلات في طريق حياتهم سيقود إلى النار لأنه شكل من أشكال الجُرم .. فالمشكلات مفيدة للإيقاع بالأشرار أنفسهم .
ملخص فوائد المشكلات ومنها ما يلي :
١- إبراز قدرة الله تعالى في خلق ارتباطات الحياة وتعقيداتها بشكل لا تحتمله العقول البشرية .
٢- إبراز قدرة الله تعالى في خلقه للعقل البشري وقدرته على فك بعض شفرات الحياة المعقدة بكافة صورها .
٣- إبراز تفوق شريعة الله في دينه السمح دين محمد صلى الله عليه وسلم ، على كافة أديان البشر في إيجاده لحلول لكل ما يعرض للبشر ، وإيجاد المخرج المريح لهم من عواقب المشكلات .
٤- أن المشكلات تكشف المعادن البشرية وتمتحنها .
٥- أنها تخدع القلوب المريضة وتودي بالأنفس الخبيثة .
٦- أنها ترفع درجات الصابرين وتعزز من مكانتهم الإيمانية عند خالقهم .
٧- أنها تقود لتولد قيمة الصبر على أقدار الله تعالى ، وتصقل السلوك .
٨- تمنح المشكلات الحياة تنوعاً يزيد القدرة على التلذذ بالنجاح .
المشكلات بحر متلاطم ، إنها محيط لا ساحل له ، وبئر لا قرار له ، إنها صورة متعددة الأوجه والألوان ، إنها مزيج متجانس ما بين الخير والشر ، فهي لا يمكن أن تكون شراً خالصاً ، فهذا لا يتحقق بتمامه في الحياة الدنيا ، فالمشكلات لا يمكن أن تكون عذاباً من كافة زواياها .. إنها انعكاس عكسي للمنطق ، فربما كان في المشكلات كل الخير الذي ترجوه دون أن تعلم .
من الجيد أن تواجه الحياة ومشكلاتها بتفائل وصبر ووعي تام ، وهذا سيمنحك الراحة وسط العاصفة بإيمانك برحمة الله تعالى وعدله ، وكن حذراً فقط من أن تكون أداة مسببة للمشكلات وتعقيد حياة الآخرين وإتعاسهم .. كن سمحاً ليِّناً هيناً مرناً .. وتنازل عن حقك عندما يمكنك تحمل ذلك دون ضرر .. فستنال أضعافه غداً .
يمكن للحياة أن تكون أسهل .. حتى مع وجود المشكلات .