الثلاثاء، 16 فبراير 2016

من أجل كلمة

من أجل كلمة

د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري
@dr_faisalkhaled

إياك أن تعجب من تفاوت العقول بين البشر ، فالعجائب في هذه الدنيا لا تنقضي ، ولعل سجل التاريخ البشري حافل بؤلئك الذين قطعوا أرحامهم ، وهجروا إخوانهم من أجل كلمة حق أو وصف صدق .

خذ مقعدك و اقرأ ما سيأتي بتمعن وعين بصيرة ، تستشعر فيها حقيقة ما يمكن مواجهته ، جراء تخلي المرء عن عقله وتعقله و انطلاقه نحو الهواية بمحض إرادته ! .. قال ﷺ ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى )    وقال تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .. الأمر جدي هنا كما يظهر ، فإن كنت متكئاً فعليك أن تجلس .

سيكون من الأفضل أن تمتلك الشجاعة على مواجهة نفسك ، فأنت تستسلم لنفسك في ضعف يدركه الجميع ، أنت لا تحتمل ولا تصبر ولا تتعقل وتهرب من واقعك إلى قضاء واقعي لن تتملص منه أبداً ، أنت هارب في الوقت الذي أنت فيه ضمن إطار الصورة ، وكل ما في الأمر أنك تدس رأسك في التراب تماماً كما تقول الأسطورة الخرافية عن النعامة ، وهذا ليس بالخيار الجيد ، فرأسك في التراب ولكن الناس ينظرون إليك !

يعيش البعض كزجاج قابل للكسر ، وإياك أن تكون كذلك ، فأنت لست كأساً أو مرءآة ، بل بشري عاقل مكلف ، وتعي تماماً الاختلاف ما بين الناس ، وتفهم ما يعنيه هذا من تفاعلات تعجبك وقد لا تعجبك ، كما هو الحال عند غيرك ، ومع ذلك فإن الحياة مستمرة بين الناس ، دون أي متاعب أو صرعات ! .. وكل ما عليك أن تقف وسط ميدان أو سوق ، فقد ينقضي يوم كامل دون أن يتشاجر اثنان ، بينما تحمل أنت مكبرة وملقاطاً لتقصي صغائر الأمور ، كيما تفتح الباب لمعركة مع هذا أو ذاك ..

إليك بعض النصائح التي ستكون لذيذة بحق لو غمستها في كوب شايك ، فإنها وإن كانت مقرمشة إلا أنها معه ستكو طرية للغاية ، وستذوب في فمك :
1- الانتقاد يعطيك زاوية نظر كنت غافلاً عنها أو أنك لم عاجز عن رؤيتها ضمن إطارك الإدراكي ، فإن تأكد من صحة النقد ، فتعلم تقديم الشكر ، فهو بمثابة هدية مجانية .. وحسن من أدائك .
2- زد من مرونتك مع الآخرين ، فالأكثر مرونة هو الأكثر تحكماً .
3- لكل شيء في هذه الحياة حجمه الحقيقي ، فاحتفظ بالأشياء لديك ضمن ذلك الحجم ، فالتضخيم سيستهلك كل مالديك من مساحات .
4- استفد من الماضي و حسن الحاضر و طور للمستقبل ، فوقتك أقصر من تقضيه في عدوات لا مبرر لها .. سوى أن تؤذي نفسك لوحدك .

امنح نفسك الفرصة لتعيش حياة سوية منسجمة مع الواقع البشري في الحياة الدنيا ، فلا أظن بأنك تعتقد بأنك تعيش في جنة الخلد ، حيث لا تضام ولا تهضم ، فأنت في الدنيا التي خلقك الله في جها و قال عنها خالقها سبحانه ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) فإن كانت كذلك ، وقال جل في علاه ( خذ العفو وأمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين ) فعليك أن تتكيف أنت مع ظروف الحياة ومن يشاركك فيها ويقاسمك الوجود ، أحسبك لا تنوي محاربة العالم لأنك ستخسر حربك حتماً .