بعيداً عن المتاعب
د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الاتصال البشري
@dr_faisalkhaled
لن تتمكن من الهروب من الواقع .. يبقى البعض سلبياً كالخُشُب المسندة ، متظاهراً بعدم المعرفة بما يجري من حوله ، متجاهلاً لكل حدث لا يرغب في أن يكون جزءاً منه ، معتمداً على استراتيجية الابتعاد الوهمي ، والسلبية المطلقة ، وهذا ولا شك ضرب من ضروب الجنون ، ونمط من أنماط الجريمة .
عندما يتعارك اثنين أمامك ، من أصدقائك أو زملائك ، أو أقربائك أو جيرانك ، أو حتى من الغرباء ، بينما تبقى أن تحتسي كوب قهوتك الساخنة ، و أنت تنظر في هاتفك الجوال مثلاً ، فأنت هنا ضمن الحالات التالية :
١- لديك ضعف إدراك حسي كالصمم أو العمى .
٢- جبان يتظاهر بالقوة بالمكث بدلاً من الفرار والنجاة بجلده .
٣- شريك مع المعتدي أو متقبل لما يجري .
٤- فاقد للعقل والقدرة على التمييز ، إذ لا تفرق ما بين رقصة السامبا وصراع الديكة .
في عالم الجواميس و القردة و التماسيح ، يتعارك كبار القطيع من الذكور ، للتفرد بالعرش ، بينما تنشغل الآبقار بالاستمتاع بمتابعة المعركة ، أو تنشغل بجز العشب في حقول السافانا ، منتظرة من سيهشم جمجمة الآخر ، أتذكر أن تمساحاً ضخماً مضغ خطم تمساح آخر في قضمة واحدة لأنه نظر إلى أنثاه ، وتركه ليلاقي مصيره المحتوم ، بينما هجمت فرقة كوماندوز من القردة البرية على زعيم مجموعة أخرى وجردته من سلطاته ، وجلعت منه جليساً للأطفال .. في حين كانت بقية أفراد القبيلة القردية ينظفون أجساد بعضهم من البراغيث ، ويستمتعون بلعق الأملاح من على جلود بعضهم البعض ، أثناء الغارة ، ولكننا نحن البشر لا نعيش بهذه الطريقة .
لنتذكر أمراً مهماً هنا ، فنحن لسنا فقمات ولا دببة ولا أفاعي ، بل بشر عقلاء مسلمون مكلفون ، ونحن على صلة بكل ما يدور من حولنا ، وما يعنينا وما لا يعنينا تم تبينه في الكتاب والسنة ، فالسلبية ليست من صفات المسلمين .
ما هو شعورك واحدهم يسدد لكمات إلى وجهك في وسط السوق ، بينما الجميع يلتقطون صور السلفي مع وجهك المهشم وأنفك المتورم ، وهم مبتسمون لمتابعيهم في سناب شات أو انستقرام ، هل ستكون مسروراً ؟ عندما تطلب شهادة أحدهم لك في مركز الشرطة المجاور ، ليقول لك ( هذا لا يعنيني .. أبعدني عن المتاعب ) ثم يتركك ويمشي مدبراً ، وآخر تخاطبه فينظر في وجهك بجمود بارد ، ثم يغادر دون أن يبدي أي تعبير تجاهك ، قال ﷺ " أحب لأخيك ما تحب لنفسك " فإن لم تتعاون مع من حولك على الحق ، فلن تجد من يمد لك يد المعاونة ، لن يهتم لشأنك أحد ، وستندم في يوم ما على ما أشعت بين الناس من سلوك سلبي ، وتذكر قوله ﷺ " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قالوا : يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظلماً ، قال : تأخذ فوق يديه " .
إن تجاهل متاعب الغير ، يساعد على تكاثرها في المجتمع ، إذ يمكنك بكلمة أن تحسم أمر معركة ، وبكلمة يمكنك مواساة مظلوم ، وبامتعاظك يمكنك إيقاف اعتداء أكبر ، و بإمساكك يد مسيء ، يمكنك تنقذه من المبالغة في الشر الذي سيعاقب عليه في الدنيا والآخر ، وقوفك إلى جانب المعتدى عليه ، قد يكفي لردع المعتدي عن تطاوله أو تجاوزه .. والقائمة تطول ، تذكر بأنك جزء من واقع الحياة ، وما يدور من حولك سيؤثر عليك يوماً ما ، وقد تكون أنت بدورك في وسط متاعب ، دون أن تجد لك معين ممن هم حولك .