الخميس، 27 مارس 2014

الاتصال العلمي

الاتصال العلمي

د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري
@dr_faisalkhaled


يحسم الإدراك العقلي مسألة الاتصال العلمي لدينا ، فنحن البشر نتصل بالعلم طوال الوقت بما فيها فترة النوم - حيث تنظم الذاكرة المعرفية - ولذلك فنحن نتعلم على الدوام وتتوسع مداركنا وفقاً لتوسع نطاق الاستشعار المحيطي الإدراكي لدينا ، وعليه فإن الحالة المعرفية المستمرة تستقي مكوناتها من المعطيات الحسية لتخضع للمعالجة العقلية وفقاً للقيم والمعتقدات ومكونات المحتوى الفكري المسيطر .

وكمجموعة بشرية متفاعلة ، فإن المعرفة تنتقل بيننا عبر كافة قنوات الاتصال المتاحة التي تختلف باختلاف الزمان والمكان في تركيبها الجزئي وطبيعة التمازج ، وهي في الجملة تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين من حيث الذاتية البشرية :
١- عبر المكونات الناقلة الذاتية ، الحواس و إدراك المعنويات .
٢- عبر وسائط النقل المعرفي ، أي أدواتها الإجرائية التي تعود لتعتمد على المكونات الذاتية لتصل للعقل والدماغ .

ومن هنا فإن المعرفة العلمية لا تخرج عن سلطة المكونات النافلة الذاتية المتمثلة في الحواس و اللغة والقيم والمعتقدات .. لتستقر في منظومة العقل و الدماغ ، وهذا يعطينا التصور الأساسي لمسار المعرفة الدقيق عبر الذات البشرية .

و يشكل التبادل المعرفي بين البشر مصدراً للتعلم الإثرائي ، والناتج عن معالجة عقلية مستقلة في الذوات المتعددة  ، و فق معطيات مختلفة عن معطياتنا الذاتية الفردية أو المجتمعية  ، ومن هنا تظهر النتائج المختلفة للمعالجة المعلوماتية الواحدة ، وهو ما نسميه بالتنوع الفكري ، ويقودنا هذا التنوع إلى الإختلاف ، وتضبط هذا الإختلاف ، قواعد معرفية غير قابلة للكسر غالباً تتدرج ما بين الفرضية والنظرية والقانون  ، تحكم فاعلية المعرفة المنتجة ، وتحتاج هذه القواعد لأدلة وبراهين وفق المنهج العلمي السائد في كل زمان و مكان نسبي .

وبسبب تنوع المدارك العقلية ، فإن المعالجة الجمعية للعلوم ، تعطي مصداقية أكبر للمفهوم العلمي وفق القواعد المنهجية ، و في زمنٍ مضى كانت العلوم مشتتة المصادر ، أما اليوم فإن تقنية نقل المعلومات المعاصرة ، جعلت من العلم أياً كان ، بشري الصنعة ، وتحت المعالجة الجمعية الدائمة ، وكسرت العديد من حواجز المعرفة ، لتكون في متناول يد الجميع ، و أصبحت ظاهرة العزل والإحتكار الأكاديمي على مستوى العالم ، ظاهرة توشك أن تمتزج بمفاهيم الحق في الحصول على المعرفة الأصلية دون قيود ، وكسر قيود القواعد القديمة للإتصال العلمي ، بحيث تعددت المسارات العلمية والأكاديمية حول العالم ، للتتوائم و معطيات عصرنا الحالي ، وهذا يمهد الطريق لظاهرة جديدة ، أسميتها ( موضة ثقافة ) وهي ظاهرة تحمل في طياتها الكثير من السلبية والإيجابية معاً ، و هذا ما سأناقشه في موضع لاحق .

ومن أبرز مفاهيم علم الإتصال ، أن حلول اليوم ، هي مشكلات المستقبل ، كما هو الحال في أن مشكلات الحاضر ، نتيجة لحلول الماضي ، وهذا ناتج من نواتج تطور الفكر البشري في مستويات العلم والمعرفة ، وهو تطور تدرجي ، بسرعات نسبية تفصيلية ، تتعلق بمدى القدرة على تلقي المعرفة وفهمها والإنتاج منها وتطويرها ، وهي خطوات تختلف نسبيتها الإتقانية و الزمنية ، باختلاف الزمان والمكان ، وهذا لاختلاف المجتمعات والتكتلات البشرية المعنية بالعلم بشكل مباشر ، ومدى تفاعل الأجيال مع هذه العلوم والمعارف .

فالاتصال العلمي ، ظاهرة بشرية تعتمد على الوعي الجمعي ، والتفاعل المجتمعي مع المعرفة الحديثة وتطبيقاتها المعاصرة ، ومدى تيسير وتسهيل العلماء لبقية أفراد المجتمع ، هذه المعرفة ، وضمها لمكونات الحياة الطبيعية التي يمارسونها لتكون نمط حياة شامل ، وهذا هو المغزى الأساسي ، من البناء العقلي للإنسان ، والمصمم بالتكافئ الخلقي لدى جميع البشر على حد سواء ، دون تمييز .. وهذه حقيقة تشريحية علمية مجمع عليها .

وتكتمل المنظومة المعرفية البشرية ،  بإكتمال توازنها بين مكونات الذات البشرية في أصلها الروحي والنفسي والجسدي والعقلي ، لتشكل وحدة متناسقة ومنسجمة مع محيط الخلق الأعظم ، الذي نعيش بين مكوناته ، وتتناثر بياناته حولنا فنعالجها لتكون علماً قابلاً للفهم والتفسير و النقل ، ما يعني القدرة البشرية على قراءة الوجود برمته و سبب حدوثه ، بكل تفرعات تكوينه وتفرعات علوم البشر ، وبهذا نعرف بأن العلم في هدف النهائي لا يتجزأ ، إلا في السياقات ، وإلا فإن العلوم منسجمة ومتماسكة ، ويعضد بعضها بعضاً ، بغض النظر عن نشوء نظريات وسقوط أخرى ، فهذا سياق بشكل منفصل عن الإنسجام الخلقي للكون وأحيائه بمجمل تفاصيل معيشتهم داخل منظومة الخلق الشاملة .. وهذا هو محيط العلم البشري .

وبعدها تقودنا علومنا وفق منهجيات فلسفية منطقية ، وأخرى حسية مدركة خاضعة للقياس و الإعادة والتحقق .. إلى نوعين من العلوم الأساسية وفق طبيعة اتصالنا بهما وهما :
العلم النافع المثمر .
العلم غير النافع وغير المثمر .
وفي كلى الحالين يمكن تسخير العلوم في الخير والشر ، وفقاً للنزعات النفسية لدى البشر ، وهذا بحث آخر ، يتعلق بعلاقنا البشرية بالخير والشر ، وطبيعة اتصالنا بشرياً بهما آخذين في الإعتبار العديد من المؤثرات غير البشرية في ذلك .

ووفقاً لما سلف ، فإن العلم الواحد يتركب من مكونات علمية أخرى بنسب متفاوتة ، ولا ينفك علم مجرد بذاته ، وإلا تعذر بشرياً أن يدرك ويقاس .

إلا أن لكل علم أدواته الخاصة به ، وهي مفاتيحه التي بها يمكن بيانه وعرضه ، وهذه الأدوات هي وسائط الإتصال البشري بالمادة أو اللامادة في محيطنا .. وعلوم الآلة الإبتدائية ، هي علوم تسبق عملية الاستقصاء العلمي بالتمكن منها وحيازتها لتكون ميسدة ومسهلة للعملية الاستقرائية البحثية المنهجية ، التي تقودنا لما يسمى بالنظرية التي تسبق التطبيق الواقعي على مكونات الوجود .